أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

حزب جبران باسيل

الثلاثاء 21 آب , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 33,078 زائر

حزب جبران باسيل

ترسم النسوة المتحلّقات حول ركوة قهوة في دكان إحداهن في سوق البترون القديم ابتسامة تحبّب عند سؤالهن عن جبران باسيل. لم يزل معاليه، هنا، طفلاً، نصف أشقر، ذا غمّازتين جميلتين، لا تكف عيناه عن الشيطنة، وهو يلهو قبالة دكان والده الذي بات اليوم مقهى. تمر ساعتان من الروايات وباسيل لم يبلغ الجامعة الأميركية بعد. يمكن الشعور بحبهن للصبيّ المشاغب والغنوج: عمّه كسرى باسيل رئيس بلدية البترون السابق من أبرز فعاليات المدينة وأغناها، والذي كان قريباً من نائب المدينة سايد عقل. هنا، تنخفض الأصوات حتى تكاد تتلاشى. تختفي عشر سنوات من عمر باسيل ليعود في الثامنة والعشرين، عشية انتخابات 1998 البلدية. هنا، ستنقسم آراء السيدات في شأن جبران. فترشحه، باسم العونيين يومها، ضد عمّه الذي مثّل عائلات المدينة (كسر كسرى ابن شقيقه جرجي) يعجب بعضهن فتصفنه بالشجاع والجريء، ويثير استياء أخريات، فتعتبره إحداهن «قليل ذوق»، وترى فيه أخرى «فجعاً للسلطة».

في الطريق إلى دوما كثير من العونيين وقليل من الملتزمين حزبياً بالتيار. قبل زواجه من شانتال ميشال عون، عام 1999، كان باسيل «مثله مثلنا، واحداً من نحو ألفي شاب ينشطون في التيار»، يقول ناشط عوني «متقاعد». في تلك المرحلة كان عون يختصر روحية التيار بقوله لأصغر ناشط يهاتفه إن عليه التصرف، حيثما وجد ضرورياً، وكأنه العماد عون شخصياً. كان جبران واحداً من هؤلاء المناضلين، والذي تسجل له جرأته في خلع عباءته العائلية عنه رغم نفوذها الكبير في البترون، وعدم تردده في إشهار عونيته ووضع مكتبه الهندسي بتصرف العونيين رغم الحضور الاستخباري السوري الضخم في المدينة وقراها.

وبحكم التركيبة العائلية في البترون، يروي أحد المطلعين أن عائلة الوزير كانت تفضّل دون شك اختياره عروسته من نسيج المدينة العائلي. فلا النيابة كانت واردة في رؤوسهم ولا الوزارة؛ فقط رئاسة البلدية.

بعد زواجه من شانتال بدأ بعض المؤمنين بزعامة صهر الزعيم من غير العونيين إحاطته بودّهم. وبمباركة عمّه بات الناشط العوني مرجعية عائلته. أما رفاقه، ممن رباهم عون على مقت الإقطاع، فقد حرصوا على معاملته بحذر وحساسية. فهو لم يتعامل معهم بخصوصية وهم لم يتفهّموا أن من حق الصهر أن ينشط سياسياً ويتدرج حزبياً بمعزل عن موقعه العائلي.

الواضح هنا أن غير العونيين يتحدثون عن مشكلتي الكهرباء والاتصالات وبعض «التسكيجات» الانمائية والخدمات الإدارية والمساعدات المادية التي يقدمها باسيل حين يُسألون عنه، مقارنين بينه وبين زعامة آل عقل للقول إن الباسيلية أفضل. أما العونيون، فبعضهم يعتبر باسيل مديناً لهم شخصياً بما بلغه. فلا يكفيه أي مقابل من الوزير لردّ الجميل، وبعضهم الآخر تشغله تجربته الحزبية غير الناجحة مع باسيل عن كل إنجازات معاليه المفترضة. فعام 1999 عطّل باسيل اعتراف التيار بالمرشح الذي غلب مرشحه على موقع منسق البترون، مزكياً تعيين آخر محسوب عليه بدل استيعاب الاحتجاج الذي بلغ حدّ استقالة 14 هيئة بترونية عونية. وبعد عشر سنوات، لم يكد باسيل يتأكد من فوز مرشحة في الانتخابات الحزبية ـــ تبيّن أنها على غير وئام معه ـــ حتى ألغيت الانتخابات العونية في كل لبنان، الأمر الذي يتيح لبعض الناشطين الاعتقاد بأن إلغاء باسيل الانتخابات كان أسهل عليه من استيعاب المنسقة المفترضة وإجلاسها على يمينه، كما يفعل سائر النواب والوزراء العونيين في أقضية أخرى.

ينشط العونيون البترونيون بحماسة استثنائية في كل لبنان، باستثناء البترون. في مكتبهم المركزي لا تحضر غالباً غير الموظفة، فيما يجهل معظم الناشطين المفترضين اسم المنسق البتروني الجديد. تختلط أمور الوزير بأمور التيار على كافة الأصعدة، فيشغل أمين صندوق هيئة التيار في إحدى البلدات موقع أمين صندوق هيئة التيار في القضاء وأمين صندوق حملة المرشح جبران باسيل وأمين صندوق جمعية «بترونيات». وفي البترون، فقط، يمكن تسمية عشرة عونيين: رزق الله طالب، فادي فرنسيس، طوني العشي، شكيب سمور، حميد شلالا، إيلي شلهوب، صلاح يونس، طوني غوش، الياس مفرج، وليد شيخاني. أو مئة. أو حتى ألف. ألف عوني يلزمون منازلهم اليوم لأن علاقتهم بباسيل، وبالتالي بالتيار الوطني الحر ـــ البترون، معطوبة.

بعد عشرات المقابلات، يستنتج زائر البترون تفضيل باسيل العمل مع العونيين الجدد على العونيين الذين يمنّنونه صباحاً وظهراً ومساءً بنضالهم أكثر منه في السنوات الصعبة، الأمر الذي شجعه على إحلال الماكينة الانتخابية محل الناشطين المتحمسين، فيما توحي الأسماء التي باتت شهيرة في البترون بتعاونها معه بإحلاله الفعاليات التقليدية محل الناشطين المتذمرين، الذين يرون أن على باسيل التعاون معهم لإلغاء دور الفعاليات السابق ذكرها. ومن الساحل حيث رئيس بلدية البترون مرسلينو الحرك، إلى تنورين حيث آل يونس، شبك باسيل مع رجالات بعض البيوتات البترونية السياسية. وبدل «الاستفادة من موقعه الوزاري لدفع رفاقه في الإدارة الرسمية وغيرها، استرضى الفعاليات التقليدية بالخدمات التقليدية».

ناشطون يتحدثون اليوم عن «حزب جبران باسيل». رئيسه وزير قوي خدماتياً، تساعده في إدارته مجموعة متمولين يحرصون على بقائه في موقعه حرصهم على مصالحهم. جمهوره عونيون وغير عونيين، إما تعجبهم مواقفه السياسية أو صورته الإدارية أو ما يفيدهم خدماتياً. وله ماكينة انتخابية تتحكم ميزانيتها في قدراتها. والأكيد أن حظوظ هذا الحزب بالفوز بمقعد للوزير في الانتخابات النيابية المقبلة أكبر من حظوظ التيار الوطني الحر.

ومن تيار البترون إلى التيار المركزي، تحفل أحاديث العونيين بمحاولات باسيل استنساخ الواقع البتروني بين عودة العماد عون عام 2005 وانتخابات 2010 البلدية. بعد تلك الانتخابات أعاد عون العمل بالتيار الوطني الحر، فبات يمكن مشاهدة حزبين أحدهما إلى جانب الآخر. حزب العونيين وحزب باسيل. يضم الأول غالبية منسقي الأقضية وقياديي التيار التاريخيين والنواب العونيين البارزين، فيما يحتضن باسيل في الثاني مجموعة من رجال الأعمال والمقاولات والرياضة ونافذين في بعض المؤسسات الأمنية والقضائية والدينية ممن لا يفكرون أبداً في الانتساب إلى التيار. وللحزب الباسيلي وزير غير وزير الطاقة، فيما يختصر أحد أعضاء النادي الجبراني المشهد بالآتي: يفيد التيار باسيل، فيفيد باسيل شبابه، ليفيد شبابه التيار.

حل الحزب الباسيليّ في هذا السياق مشكلة. فقد ارتاح باسيل من ملاحظات التيار الكثيرة. وهو أراح الناشطين. وبعدما ضمنوا عدم سعيه للهيمنة بواسطة المقربين منه على مواقعهم، تغيرت أحاديث المنسقين والقياديين وحتى النواب بشأنه. لا بل بات يتصدر هؤلاء الصفوف الشعبية والتشريعية في الدفاع عنه.

يبدو باسيل اليوم، لمن يلتقيه، متفائلاً. لم يلتفت إلى الخلف، فيما تتقدم برأيه حظوظه البترونية، وها هو يختار من حزبه مرشحين على لوائح التيار الوطني الحر في دوائر أخرى من الكورة إلى جزين، مروراً بالمتن الشمالي. مشكلته الوحيدة أن المتيقنين اليوم من قدرته على جعلهم نواباً أو فقط حمايته مصالحهم سيطرقون غداً أبواباً أخرى لتحقيق هاتين الغايتين. فحزب السلطة يأتي ويغادر معها.

 

«ولِك»...

 

تكثر التمتمات بشأن وزير الطاقة والمياه جبران باسيل. فيها الصواب وفيها الافتراء، فيما لا (ولن) يعيرها معاليه بنوعَيها أي اهتمام. هذا الرجل: هكذا يمشي و... يجلس. «التشاوف» طبعه، ومفردته المميزة الـ«ولِك». هذه المفردة، استدعت من الرئيس نبيه بري، مثلاً، احتسابه عدد المرات التي يكررها باسيل في جلسته معه. بينما يتندر مساعدون لبري بأن قيادياً حزبياً أحصى ذات مرة استخدام جبران مفردة الـ«ولك» 47 مرة في جلسة طويلة مع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

لا يكاد يشبه العماد ميشال عون إلا في عناده. ولعل الطبيعيّ بعد بلوغه نصف السلم في طريقه الى السلطة ألا ينظر خلفه، سواء إلى مآخذ العونيين أو إلى انتقادات حلفائه لما يعتبرونه استخفافاً شديداً بهم.

في موازاة تمتينه حزبه وتعزيز علاقاته الخاصة، حقق باسيل في السنتين الماضيتين ثلاثة أمور على صعيد التيار الوطني الحر: أولها، استيعاب بعض النواب العونيين على غرار النائب ابراهيم كنعان والناشطين أمثال زياد عبس، ليتحول هؤلاء من متململين مفترضين منه إلى رؤوس حربة في الدفاع عنه، في ظل تراجع التململ العوني العام منه.

أسس باسيل عصباً خاصاً به وحده ـــ بمعزل عن عمّه ـــ عند الرأي العام العوني، بفعل تبنّي الجنرال ملفات باسيل من الاتصالات إلى الطاقة وصولاً إلى المياومين، حتى بات انتقاد باسيل أمام الجمهور العوني بمثابة انتقاد للجنرال أو للمشروع السياسي الذي يحمله عون ويستشرس في الدفاع عنه. أما أبرز «الإنجازات الباسيلية»، ففوزه بإعجاب جزء من الرأي العام غير العوني الذي يرى فيه وزيراً ناجحاً يحسن إدارة ملفاته.


Script executed in 0.19282793998718