أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

إسرائيل تبدأ البحث عن استراتيجية الخروج

الأربعاء 31 كانون الأول , 2008 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 515 زائر

إسرائيل تبدأ البحث عن استراتيجية الخروج
وبدا جليا أن الفارق هائل بين الأهداف المعلنة رسميا لهذه الحرب، والتصريحات التي يطلقها القادة الإسرائيليون. غير أن الجيش الإسرائيلي الذي يعلن إتمام جهوزيته لتنفيذ عملية برية واسعة في القطاع، يعرف الثمن المطلوب، ويدعو إلى التفكير في العواقب البعيدة المدى.
وشرع المعلقون والساسة في إسرائيل في الحديث عن استراتيجية الخروج من الحرب، التي وُضعت لها رسميا وعلنيا أهداف متواضعة، في حين تبارى السياسيون في تضخيم حجم هذه الأهداف. فالهدف الذي أعلن رسميا في بداية الحرب كان وقف إطلاق الصواريخ على مستوطني غلاف غزة، لكن في الإعلانات المتزايدة بات يوحي بأنه »القضاء على الإرهاب« أو »وضع حد له«. كما أن سياسيين إسرائيليين أعلنوا أن تغيير الواقع القائم في القطاع هو أحد الأهداف، في حين ذهب آخرون إلى الحديث عن القضاء على سلطة حماس.
ومع ذلك، فإن النقاش في جوهره يدور حاليا بين من يعتبرون أن العملية كانت في الأساس عقابية وأنها حققت أغراضها، وبين من يرون باستمرارها لإطالة أمد »راحة سكان الجنوب« لسنوات بدلا من أشهر. وفي إطار هذا النقاش، ثمة من يعتقد أن جهات إسرائيلية تحث جهات دولية على تقديم اقتراحات، خصوصا بسبب غياب الضغط الدولي.
ويشدد معلقون إسرائيليون على أن التصريحات والإعلانات حول تغيير الواقع القائم في غزة، سواء تلك التي صدرت عن سياسيين أو عسكريين، موجهة في الأساس للقوى في القطاع وللجهات الدولية. ويرى بعض هؤلاء أن جهات عديدة في المستويين السياسي والعسكري تريد استراتيجية الخروج خشية التورط في تعقيدات لاحقة، ليس فقط في القطاع، وإنما في الضفة والجنوب اللبناني، وربما في المحيط العربي.
ولهذا السبب، التقط وزير الدفاع إيهود باراك المبادرة الفرنسية التي تبدو أكبر من أن تكون مبادرة وزير الخارجية برنار كوشنير. فقد تبين أن الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي هاتف رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت وأبلغه بنيته الوصول للمنطقة الأسبوع المقبل. لكنه طلب أن تصل وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني للعاصمة الفرنسية في أقرب فرصة للتشاور من ناحية وللتمهيد للزيارة الرئاسية من ناحية أخرى.
وكان كوشنير قد اتصل هاتفيا بوزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك مرتين. وأشاعت أوساط إسرائيلية أن كوشنير عرض على باراك »كصديق لإسرائيل« و»كطبيب« يعرف الضائقة الإنسانية في القطاع »هدنة إنسانية« لمدة ٤٨ ساعة. وأشار كوشنير إلى أن هذا مجرد اختبار تلتزم فيه حماس بالوقف التام لإطلاق الصواريخ والقذائف على إسرائيل.

وقالت المصادر الإسرائيلية إن باراك رفض الاقتراح الفرنسي في البداية إلا أنه في المرة الثانية عاد وأعلن أنه سيعرض الأمر على جهات القرار في إسرائيل. ويبدو أن باراك الذي يميل إلى تقبل هذه الفكرة، سوق الأمر كأنه توصية من المؤسسة الأمنية. ونشرت أنباء عن توصية من قيادة الجيش ومن جهاز الشاباك بالقبول بوقف النار قبل بدء العملية البرية.
غير أن الجيش سرعان ما بادر عبر المتحدث باسمه إلى نفي وجود أي توصية من الجيش بوقف العمليات بأي شكل من الأشكال. وقال إن هذه مهمة الجهة السياسية التي يمكنها أن تأمر الجيش بالهجوم أو بالتوقف. أما المتحدث باسم الشاباك، فنفى هو الآخر أن يكون رئيس جهاز الأمن العام يوفال ديسكين قدم أي توصية بهذا الشأن.
والواضح أن وقف النار شكل قاعدة النقاش الذي جرى ليلة أمس بين »ترويكا المطبخ« (أولمرت، باراك ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني). كما أن هذه الفكرة ستشكل أساس النقاش في المجلس الوزاري المصغر الذي يعقد اليوم.
ومع ذلك، ركز المراسلون الإسرائيليون على أن باراك، وربما ليفني، يؤيدان المبادرة الفرنسية التي تحقق لإسرائيل مزايا عديدة. وبين هذه المزايا التمكن من فحص مدى النجاح في لي ذراع حركة حماس عبر الهجمات الجوية. كما يمكن الإفادة من احتمال رفض حماس لهذه الهدنة مما يفيد إسرائيل في الحلبتين الإعلامية والدبلوماسية الدولية. لكن ثمة من يشير إلى أهداف عملياتية أخرى وبينها توقعات الأرصاد الجوية بيومين ماطرين. فالقبول بالفكرة الفرنسية يظهر الجيش الإسرائيلي كأنه لا يهرع لاستخدام قوته إذا وجد فرصة لتحقيق الهدوء بطرق أخرى.
ويعتقد كثيرون ان بوسع إسرائيل تبني هذه الفكرة لكن بعد أن تكون قد وصلت الذروة في شدة قصفها للقطاع بحيث تظهر حماس في ضعفها. ويعتبر النقاش الإسرائيلي حول »الهدنة الإنسانية« نوعا من البحث عن »استراتيجية خروج« من الوضع القائم. ومع ذلك، اعتبرت جهات إسرائيلية مختلفة أنه محظور إظهار المبادرة الفرنسية كأنها مطلب إسرائيلي.
ويرى البعض في إسرائيل هذا النقاش ضروريا قبل العملية البرية. ويشدد هؤلاء على أنه ليس لدى إسرائيل خيار العملية البرية الواسعة حيث إن كل ما أعد ليس سوى مجموعة من العمليات البرية المحدودة التي تحقق أهدافا عملياتية. ويرى أصحاب هذا الرأي أنه ليس في إسرائيل من يفكر باجتياح قطاع غزة لأن ذلك يحمل إسرائيل عواقب سياسية ويحول دون بلورة استراتيجية خروج كاملة. وتعتقد المصادر الإسرائيلية أن وقف نار من دون اتفاق أو تفاهم يبقي إسرائيل حرة في ردودها. ومع ذلك، فإن إسرائيل في اتصالاتها الدولية تضع شروطا للموافقة على الهدنة الإنسانية وبينها التزام حماس وفصائل المقاومة بها.
ويشدد معلقون عسكريون على أن حماس فقدت بفعل الضربة العسكرية الكثير من قدرتها السلطوية وجزءا من قدرتها القتالية. وأوضح مراسل عسكري أنه، وفق التقديرات، كان لدى حماس ثلاثة آلاف صاروخ بينها عشرات من صواريخ غراد، لكنها فقدت ألفا منها في الضربات الجوية. وفي كل الأحوال لا تستهين إسرائيل بما تبقى لدى حماس وفصائل المقاومة من صواريخ، لكن ثمة من يعتقد أن الرسالة وصلت وأن الدرس قد يكون استوعب.
وقد أعلن رئيس الحكومة إيهود أولمرت عند زيارته للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، أن إسرائيل لا تزال في المرحلة الأولى من عملية »الرصاص المسكوب«. وأوضح أولمرت لبيريز أن ما يجري هو مجرد مرحلة من بين مراحل عديدة لعملية صادق عليها المجلس الأمني المصغر. وشدد على أن المستوى السياسي يمنح الجيش كامل الدعم لإتمام العملية وتحقيق أهدافها.
وكان أولمرت وباراك قد زارا غرفة عمليات القيادة الجنوبية التي تدير المعركة ضد القطاع. وأشارت الأنباء إلى أن أحد الضباط طلب من أولمرت الإصرار على مواصلة الخطة الأصلية للمعركة. ورد أولمرت عليه بأن الأمور قيد الدرس ولكن العمليات الجارية ستبقى على حالها إلى حين اتخاذ قرارات أخرى.
وكان وزير الدفاع إيهود باراك قد أعلن أن العملية العسكرية في غزة ستتواصل قدر ما يتطلب الأمر وأنها »ستتعمق وتتوسع حسب الحاجة، من أجل تحقيق الأهداف التي وضعناها لأنفسنا وإعادة الهدوء الى الجنوب«. وركز باراك على أن هدف إسرائيل حاليا هو »توجيه ضربة قاسية لحماس، تقود إلى وضع حد لإطلاق النار والعمليات الأخرى ضد مواطني إسرائيل وجنود الجيش«.

Script executed in 0.18883585929871